خطبة الجمعة للدكتور محمد حرز “ضوابط بناء الأسرة وسبل الحفاظ عليها”
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : “ضوابط بناء الأسرة وسبل الحفاظ عليها” ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 18 جمادي الآخرة 1443هـ، الموافق 21 يناير 2022م.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 21 يناير 2022م بعنوان : “ضوابط بناء الأسرة وسبل الحفاظ عليها”.
أولًا: الأسرةُ نواةُ المجتمعِ.
ثانيًا: أسسُ وضوابطُ بناءِ الأسرةِ في الإسلامِ.
ثالثًا : أخطارٌ تواجهُ الأسرةَ المسلمةَ فانتبِهْ!!!
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 21 يناير 2022م بعنوان : “ضوابط بناء الأسرة وسبل الحفاظ عليها” : كما يلي:
خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: ضوابطُ بناءِ الأسرةِ د. محمد حرز بتاريخ: 10 جمادى الثاني 1443هــ – 14 يناير 2022م
الحمدُ للهِ الذي خلقَ فسوَّى وقدَّرَ فهدَى، وخلقَ الزوجينِ الذكرَ والأنثَى مِن نُطفةٍ إذا تُمنَى الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ (الأعراف:189) ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحينَ وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ من خلقِهِ وخليلُهُ القائلُ كما في حديثِ معاذِ بنِ جبلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْه -قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم:(( لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لَا تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ اللَّهُ فَإِنَّمَا هُوَ دَخِيلٌ يُوشِكَ أَنْ يُفَارِقَ إِلَيْنَا ))(رواه الترمذيُّ)فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ ….. فأوصيكُم ونفسي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ.} ) الْبَقَرَةِ: 281)
أيُّها السادةُ:((ضوابط ُبناءِ الأسرةِ)) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
عناصرُ اللقاءِ:
أولًا: الأسرةُ نواةُ المجتمعِ.
ثانيًا: أسسُ وضوابطُ بناءِ الأسرةِ في الإسلامِ.
ثالثًا : أخطارٌ تواجهُ الأسرةَ المسلمةَ فانتبِهْ!!!
أيها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن ضوابطِ بناءِ الأسرةِ وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا تفتتَ فيه الكثيرُ مِن الأُسرِ، بل وتعيشُ في تعاسةٍ وشقاءٍ بسببِ بُعدِهَا عن منهجِ ربِّهَا وسنةِ نبيِّهَا صلى اللهُ عليه وسلم وخاصةً ولقد انتشرَ الطلاقُ بصورةٍ مفزعةٍ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ وخاصةً ما نراه ونسمعُه ونشاهدُه على مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ من العنفِ الأسريِّ والإيذاءِ النفسيِّ والبدنيِّ فنسمعُ هذا يقتلُ زوجتَهُ، وأخرى تقتلُ زوجَهَا وأخٌ يقتلُ أختَهُ من أجلِ الميراثِ، وآخرُ يحرقُ أختَهُ ويعرضُها للاغتصابِ ، انحرافٌ وانحطاطٌ ما بعدَهُ انحرافٌ وانحطاطٌ في كيانِ الأسرةِ المسلمةِ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهٍ ……وللهِ درُّ القائلِ
متى يبلغُ البنيانُ يومًا تمامَهُ *** إذا كنتَ تبنيهِ وغيركُ يَهدمٌ
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
أولاً:الأسرةُ نواةُ المجتمعِ:
أيها السادةُ: لقد امتنَّ اللهُ جلّ وعلا على عبادهِ بنعمٍ كثيرةٍ لا تُحصَى، قال ربُّنا(( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا)) [سورة النحل:18]، ومن أجلِّ هذه النعمِ: نعمةُ اجتماعِ الأسرةِ، فهو سبحانَهُ جلّ شأنهُ يعلمُ أنّ حياةَ المجتمعِ لا تقومُ إلا بالأسرِ، فشرعَ لنا الزواجَ فقال تعالى: ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)) [سورة الروم:21]، هذا هو السكنُ النفسيُّ والسكنُ الروحيُّ، و الأسرةَ تحتاجُ إلى سكنٍ ماديٍّ، فقال جلّ وعلا: ((وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ))[سورة النحل:80]، فهذه نعمةُ الزوجيةِ، السكنُ النفسيُّ، ثم أعطانا البيوتَ، السكنَ للجسدِ، والسكنَ الماديّ، وحثَّنَا النبيُّ المختارُ صلى اللهُ عليه وسلم على الزواجِ ؛ لبناءِ الأسرةِ كما في حديثِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ” (متفق عليه) ،وقَالَ صلى اللهُ عليه وسلم:))النِّكَاحُ سُنَّتِي فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي(((رواه ابن ماجه)،فالْأُسْرَةُ الصَّالِحَةُ تُبْنَى عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ فبالمودةِ والرحمةِ بنَى النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم أسرتَهُ المستقرةَ الهانئةَ، أبي هو وأمي صلى اللهُ عليه وسلم ، لذا بيَّنَ نبيُّنَا صلى اللهُ عليه وسلم أنّ الأسرةَ هي أولَى الناسِ بالخيرِ والكرمِ فقال صلى اللهُ عليه وسلم كما في حديثِ عبدِ اللهِ بن عباسٍـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـقال: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم:((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي“(أخرجه أبو داود والترمذي)،وعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال قال النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: (( أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ)))أَخْرَجَهُ الترمذي و أَحْمَدُ). فكان صلى اللهُ عليه وسلم جميلَ العشرةِ، دائمَ البشرِ، يتلطفُ بأهلهِ، صلى اللهُ وسلمَ على مَن علَّمَ الدنيا الحبَّ والمودةَ والسكنَ والألفةَ.
فالأسرةُ هي اللبنةُ الأولى في بناء المجتمعِ إذا صلحتْ صلحَ المجتمعُ كلُّهُ وإذا فسدتْ فسدَ المجتمعُ كلُّهُ فهي كالقلبِ بالنسبةِ للجسدِ إذا صلح القلبُ صلحَ الجسدُ كلُّهُ، وإذا فسدَ القلبُ فسدَ الجسدُ كلُّهُ، فكذلك الأسرةُ . ومسؤوليةُ الأسرةِ كبيرةٌ وعظيمةٌ تقعُ على عاتقِ الأبوين وكيف لا؟ والقيامُ بالواجباتِ الأسريةِ أمانةٌ سيسألُ عنها الزوجان يومَ القيامةِ بين يدى اللهِ جلّ وعلا، وما نرَاهُ الآنَ ونشاهدُ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ خرابًا ودمارًا للأسرِ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ حيثُ ظهرتْ ظاهرةٌ غربيةٌ غريبةٌ تؤدِي إلى الهلاكِ والدمارِ والخرابِ والخزيِ والعارِ، ظاهرةٌ سليبةٌ مدمرةٌ للأفرادِ والأسرِ دليلٌ على ضعفِ الإيمانِ ودليلٌ على طمعِ النفسِ وغيابِ الوعيِ وضعفِ الوازعِ الدينيِّ وعدمِ مراقبةِ المولَى جلَّ وعلا، ودليلٌ على سوءِ الأدبِ والأخلاقِ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، ظاهرةُ الروتينِ اليوميِ كما يُسميّه – نساءُ اليوتيوبِ والتُكْ تُوكْ – خرابٌ وهلاكٌ ودمارٌ وخزيٌ وعارٌ أو تصويرُ المرأةِ لنفسِهَا وعرضُ المرأةِ لمفاتِنِهَا وتظهرُ بالملابسِ الضيقةِ والشفافةِ وربَّمَا قامَ الزوجُ بتصويرِهَا لجذبِ المشاهدينَ وجمعِ الأموالِ والإعجاباتِ هذه دياثةٌ، ولا يدخلُ الجنةَ ديوثٌ وكسبهُ حرامٌ مالٌ خبيثٌ يُسألُ عنه بين يدىِ اللهِ يومَ القيامة ِ؛لأنَّهُ يؤدِي إلى نشرِ الفواحشِ والرزائلِ ودمارِ الأسرِ، واللهُ يقولُ ((إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)) سورة النور
جُمِّعَ الحرامُ على الحلالِ ليكثرَه ***** دخلَ الحرامُ على الحلالِ فيعثرَه وهذا كلُّه بسببِ البعدِ عن منهجِ ربِّنَا وسنةِ نبيِّنا صلى اللهُ عليه وسلم، واللهِ الذي لا إلهَ إلا هو ما خربتْ الأسرُ وتفككتْ إلا أنها أَعرضَت ْ عن منهجِ اللهِ وسنةِ نبيِّهَا صلى اللهُ عليه وسلم وصدقَ ربُّنَا إذْ يقولُ) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى )(سورة طه : 125 )فمَن اتبعَ منهجَ اللهِ سعدَ في دنياهُ وسعدَ في أُخراهُ، ومَن أعرضَ عن منهجِ اللهِ وعصَى مولَاهُ شقِيَ في دنياهُ، وهلَكَ في أُخراهّ.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
ثانيًا: أسسُ وضوابطُ بناءِ الأسرةِ في الإسلامِ:
أيُّها السادةُ : لما كانتْ الأسرةُ لها مكانةٌ عظيمةٌ في دينِنَا الحنيفِ وضعَ الإسلامُ ونبيُّ الإسلامِ صلى اللهُ عليه وسلم أُسُسًا وضوابطَ لبناءِ الأسرةِ؛ لتسعدَ في الدنيا والآخرةِ مِن أهمِّ هذه الأسسِ : الاختيارُ الصحيحُ لكلٍّ من الزوجينِ، فالاختيارُ الصحيحُ من أهمِّ أسبابِ نجاحِ الأسرِ، وسوءُ الاختيارِ يكونُ سببًا لعدمِ الاستقرارِ، لذا كانَ من أهمِّ أسبابِ الطلاقِ المنتشرِ في هذه الأيامِ سوءُ الاختيارِ، فالزوجُ يختارُ الدينَ ويقدمُ الدينَ على المالِ والجمالِ والحسبِ والنسبِ؛ لقولِ النبيِّ المختارِ صلى اللهُ عليه وسلم، فعن أبي هريرةَ أنّ رسولَ اللهِ صلى اللهِ عليه وسلم قال: تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ “( متفق عليه)، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم))الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ((رواه مسلم.
وعن ثَوبانَ قال: لَمَّا نزَلَ في الفضةِ والذهبِ ما نزَلَ، قالوا يا رسولَ اللهِ: فأيُّ المالِ نتخذُ؟ فقال صلى اللهُ عليه وسلم: ((لِيتخذْ أحدُكُم قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وزوجةً مؤمنةً تُعينُ أحدَكم على أمرِ الآخرة)) رواه ابنُ ماجه في النكاح، وأحمدُ والترمذيُّ .
ويُسنُّ أنْ تكونَ بكرًا فعن معقلِ بنِ يسارٍ أنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: ((تزوَّجوا الودودَ الولودَ، فإنِّي مكاثرٌ بكم الأُمم))
وجعلَ الإسلامُ للمرأةِ ووليِّهَا حقَّ الاختيارِ على أساسِ الدينِ والخلقِ لحديثِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي.
ومِن السننِ الغائبةِ والمستغربةِ التي هجرَهَا أكثرُ المسلمين، عرضُ المرأةِ على التقيِّ المؤمنِ كما عرضَ شعيبٌ عليه السلامُ ابنتَهُ على موسى عليه السلامُ في قولِهِ تعالى: ﴿ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾القصص 27 وعرضَ عمرُ رضي اللهُ عنه ابنتَهُ حفصةَ رضي اللهُ عنها وأرضاهَا على عثمانَ وعلى أبِي بكرٍ رضي الله عنهما وتزوجَها النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم .
ومِن أسسِ بناءِ الأسرةِ ياسادةٌ تيسيرُ أمرِ الزواجِ: فالزواجُ عبادةٌ وطريقٌ لكسْبِ الحسناتِ؛ لقولِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: ((وفي بُضْع – كنايةٌ عن الجماعِ – أحدِكُم صدقةٌ))، قالوا: يا رسولَ اللهِ، أيأتي أحدُنَا شهوتَهُ، ويكون له فيها أجرٌ؟ قال: (أرأيتُم لو وضعَهَا في حرامٍ، أكان عليه وِزْرٌ؟))، قالوا: بلى، قال: ((فكذلك إذا وضعها في الحلالِ كان له أجرٌ)) وقال النبيُّ العدنانُ صلى اللهُ عليه وسلم ((النِّكَاحُ سُنَّتِي فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)) رواه مسلم، فالزواجُ ليس مجردَ فراشٍ فقط، وإنَّما أمرٌ تعبُّديٌ ينتجُ عنه أولادٌ وأسرةٌ صالحةٌ، ولذلك أوصى الإسلامُ بالتيسيرِ في أمرِ الزواجِ،وما انتشرتْ العنوسةُ في المجتمعاتِ وربَّمَا الزنا والعياذُ باللهِ إلا بسببِ المغالاةِ في المهورِ وعدمِ التيسيرِ على المسلمين، وصدقَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم إذ يقولُ كما في حديثِ عَائِشَةَ قالتْ قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً)) رواه أحمد والحاكم .
ومن الضوابطِ التي وضعها الإسلامُ لبناءِ الأسرةِ: المعاشرةُ بالمعروفِ قال جلَّ وعلا﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ النساء: 19.قال بعضُ المفسرين في تفسيرِ قولهِ تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ النساء: 19، قالوا: ليستْ المعاشرةُ بالمعروفِ أنْ تمتنعَ عن إيقاعِ الأذىَ بها، بل أنْ تحتملَ الأذىَ منها، اللهُ أكبرُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزِيَّنَ لِلْمَرْأَةِ كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي)) ؛ يَعْنِي: زَوْجَتَهُ؛ لِأَنَّ اللهَ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ((وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ((البقرة: 228.فالحياةُ الزوجيةُ تقومُ على المودةِ والمحبةِ والرحمةِ قال جلَّ وعلا ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ الروم: 21. وَقَالَ صلى اللهُ عليه وسلم ((لا يَفْرِكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ))رَوَاهُ مُسلِمٌ قَالَ النَّوَوِيُّ ))أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضهَا، لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَهُه وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يَرْضَاهُ بِأَنْ تَكُون شَرِسَةَ الْأَخلَاقِ لَكِنَّهَا دَيِّنَةٌ أَوْ عَفِيفَةٌ أَوْ رَفِيقَةٌ بِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ)).
ومِن الضوابطِ التي وضعَهَا الإسلامُ لبناءِ الأسرةِ: تربيةُ النشءِ على الكتابِ والسنةِ ،فالأولادُ هم أمانةٌ وتربيتُهُم أمانةٌ ستسألُ عنها يومَ القيامةِ إذا حافظتَ عليهم فقد صُنتَ الأمانةَ،وإذا أهملتَهُم فقد خُنتَ الأمانةَ كما أخبرَ بذلك الصادقُ المصدوقُ صلى اللهُ عليه وسلم فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ)) (متفق عليه) وفي صحيحِ مسلمٍ من حديثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ- رضى اللهُ عنه–قال: سمعتُ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: ” مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ”
ليس اليتيمُ من انتهى أبواهُ *** من الحياةِ وخلفَاهُ ذليلاً
إنّ اليتيمَ هو الذي تَرى له *** أُمَّا تَخَلّتْ أو أَبًا مشغولًا
فتربيةُ الأولادِ من أهمِّ أسسِ ونجاحِ الأسرِ بل ونجاحِ المجتمعاتِ
وينشَأٌ ناشِئُ الفِتيانِ منَّا *** على ما كانَ عوَّدَه أبُوهُ
بل ومِن أهمِّ دعائمِ بناءِ الأسرةِ المسلمةِ: وقايتُهَا من النارِ، قال تعالى ))يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ((التحريم: 6.فعن ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما: قُوا أنفسِكُم، وأمرُوا أهلِيكُم بالذكرِ والدعاءِ حتى يقيمَ اللهُ بكم، ويُروى عن عمرَ رضي اللهُ عنه لما نزلتْ هذه الآيةُ قال: يا رسولَ اللهِ: نقِي أنفسَنَا، فكيفَ لنا بأهلِينَا؟ فقال: تنهونَهُم عما نهاكُم اللهُ وتأمرونَهُم بما أمرَ اللهُ. وقال بعضُ المفسرين تعليقًا على هذه الآيةِ: علينا تعليمَ أولادِنَا وأهلينَا الدينَ والخيرَ، وما لا يُستغنَى عنه من الأدبِ، وهو قولُهُ تعالى ]:وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طـه: 132، ونحو قولِهِ: (( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين ((الشعراء:214.
ومِن الضوابطِ التي وضعَهَا الإسلامُ لبناءِ الأسرةِ: أنّ القوامةَ للرجلِ: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ النساء: 34، فهي تكليفٌ، وليست تشريفًا، هي إشرافٌ، وخدمةٌ، وحرصٌ ، وجهدٌ، وسعيٌ، وليستْ استعلاءً وغطرسةً، وتحكمًا، وتعسُّفًا، واستبدادًا.
ثالثًا وأخيرًا : أخطارٌ تواجهُ الأسرةَ المسلمةَ فانتبِهْ:
أرجئُ الحديثَ عنها إلى ما بعدَ جلسةِ الاستراحةِ أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم
الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلا لهُ وبسم اللهِ ولا يستعانُ إلا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………………………. وبعدُ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
ثالثًا وأخيرًا : أخطارٌ تواجهُ الأسرةَ المسلمةَ فانتبِهْ:
أيها السادة : هناكَ أخطارٌ كثيرةٌ تريدُ النيلَ من الأسرةِ المسلمةِ فانتبِهْ جيدًا وكنْ على حذرٍ قبلَ فواتِ الأوانِ: من أهمِّهَا وأخطرِهَا: مواقعُ التواصلِ الاجتماعيِّ فهي سلاحٌ ذو حدينِ فإنّ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ كَشَفَتْ أثرَهَا فِي بعضِ مجتمعاتِنَا أيضًا للأسفِ الشديدِ فتسبَّبتْ بخلل ٍفي التَّدَيّنِ، وَضَعْفٍ فِي التَّرْبِيَةِ، وَانْحِطَاطٍ فِي الأَخْلاَقِ. فَكثيرٌ من أبناءِ المسلمين وبناتِهِم مَا كانوا يعرفون الفواحشَ والممارساتِ الأخلاقيةَ المنحطةَ حَتَّى تَعَلَّمُوهَا مِنْ هَذِهِ الوَسَائِلِ، فَالفُضُولُ قَادَهُمْ لِمَعْرِفَتِهَا، وَضَعْفُ الوَازِعِ الدينيِ جَرَّأَهُمْ عَلَيْهَا، وَحُبُّ التَّجْرِبَةِ جَرَّهُمْ إِلَيْهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ غَرِقَ فِي الرَّذَائِلِ بِسَبَبِهَا، وَتَأَمَّلُوا الوَصْفَ القُرْآنِيَّ لِلْمُؤْمِنَاتِ بِالغَفْلَةِ، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ النور: 23، أَيْ: غَافِلاَتٍ عَنِ الفَوَاحِشِ وَمُقَدِّمَاتِهَا، فكم مِن بيوتٍ خربتْ بسببِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ؟ وكْم مِن بيوتٍ حدثَ فيها الطلاقُ بسببِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ؟ وكمْ مِن بيوتٍ تدمرتْ بسببِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ؟ وكمْ مِن خياناتٍ زوجيةٍ بسببِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ؟ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ.
ومِن الأخطارِ التي تُواجهُ الأسرةَ المسلمةَ: الإعلامُ وليس كلُّ الإعلامِ إنَّما اقصدُ الاعلامَ الفاضحَ الإعلامَ المضللَ الإعلامَ الذي ينشرُ الرذيلةَ في المجتمعاتِ ويضيعُ قيمَ ومبادئَ الأسرةِ ، فكثُرتْ الخياناتُ الزوجيةُ وكَثُرَ الزواجُ العرفيُّ وكثرَ القتلُ وأعمالُ البلطجةِ ولا حولَ ولا قوةَ الا باللهِ، كم هدمتْ هذه البرامجُ والمواقعُ المخربةُ مِن أسرٍ! وكم حطمتْ من كيانٍ! وكم سلختْ من خُلقٍ، ووارتْ من عفةٍ وحياءٍ.
ومِن الأخطارِ التي تُواجهُ الأسرةَ المسلمةَ : المظاهرُ الكاذبةُ، الرجلُ يتعاملُ مع زوجتِهِ وأولادِهِ بالقسوةِ والغلظةِ في البيتِ وعندما يخرجُ إلى الشارعِ يتحدثُ مع النساءِ الأجنبياتِ بالحسنى والكلمةِ الطيبةِ، وربَّمَا يفسدُ أمرآةً على زوجِهَا ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، مع أنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قال كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ) رواه أبو دواد، وما أكثرَ هؤلاء فهم ذئابٌ بشريةٌ خبثاءٌ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، فلا تغرنَّكُم الأشكالُ الحسنةُ ولا الأجسادُ القويةُ الخداعةُ للنساءِ على مواقعِ التواصلِ فربَّمَا تأتي يومَ القيامةِ ولا تزنُ عندَ اللهِ جناحَ بعوضةٍ لحديثِ النبيِّ المختارِصلى اللهُ عليه وسلم “يُؤتَى يومَ القيامةِ بالرجلِ السَّمِينِ، فلا يَزِنُ عند الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ” ثم قرأ: { فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا[ الكهف 105ونسيَ هذا المسكينُ الديانَ لا يموت، افعلْ ما شئتَ كما تدينُ تدانُ …. ونسيَ المسكينُ
ما مِن كاتبٍ إلّا سيفنَى *** ويُبقِي الدهرُ ما كتبتْ يدَاهُ
فلا تكتُبْ بكفكَ غيرَ شيءٍ *** يسركَ في القيامةِ أنْ تراهُ
فاللهَ اللهَ في إصلاحِ الأسرِ،اللهَ اللهَ في المعاشرةِ بالمعروفِ، اللهَ اللهَ على السكنِ والمودةِ والرحمةِ بين الزوجين ،اللهَ اللهَ في الامتثالِ لأوامرِ اللهِ ورسولِهِ صلى اللهُ عليه وسلم ،اللهَ اللهَ في تنشئةِ النشءِ على كلامِ ربِّنَا وسنةِ نبيِّهِ صلى اللهُ عليه وسلم ،اللهَ اللهَ في التربيةِ الصحيحةِ.
فالأسرةُ هي السكنُ والمودةُ والرحمةُ والألفةُ والمحبةُ والتعاونُ والاحترامُ، والأسرةُ بصلاحِهَا يصلحُ المجتمعُ وبفسادِهَا يفسد المجتمعُ .
اللهم أصلحْ بيوتَنَا واطردْ الشيطانَ من بيوتِنَا وربِّي لنا أولادَنَا واحفظهمْ بحفظكَ يا أرحمَ الراحمين
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف